عن إليسا التي لم تعرف الهزيمة يوماً
22 عاماً والنجاح شاهق والجدل قائم.
22 عاماً عمر يافع لمسيرة فنيّة لم تعرف الذّبول ولم تشيب ملامح النجوميّة.
إليسا التي احتفلت بعشرينيّة فنّها على وقع اختيارها الشخصيّة الأكثر تأثيراً على “تويتر” ولتكون الوحيدة في الشرق الأوسط ضمن تصنيف brand watch.
يوم انطلقت عام 1998 بألبوم “بدي دوب” تحاملوا عليها. ولم يكن هذا التّحامل سوى نجاحاً مضافاً فبقي باكورة عملها، الألبوم الأكثر مبيعاً لمدّة عامين حتى دخولنا الألفيّة الثالثة. وعلى وقع هذه الأغنية صارت إليسا وجهاً عالمياً للإعلانات. وبات شرشفها دلالةً على الحجر الذي رفضه البنّاؤون وصار رأس الزّاوية.
توالت الأعمال بخزينة من 12 ألبوماً، قدّمتها إليسا دون أن تعرف أغانيها الفتور ولم يخبُ أيّ عمل قدّمته بل كان كل ألبوم يرسّخ مكانتها أكثر وينقلها الى أماكن أرحب.
الصبيّة التي خرجت من دير الأحمر من بيت متوسّط الحال اجتاحت العالم بمكانتها فكانت إليسار الفن في عصرها. فهي من الأكثر شعبيّة حول العالم في عام 2006 حتى عام 2009 حسب قائمة مجلة روتليدج ومن ضمن أقوى 100 امرأة عربية عام 2011 ، ومن أكثر المشاهير تأثيراً حول العالم. تصنيفات ونجاحات تبدأ بحصولها على جائزة الموسيقى العالمية ثلاث مرات ولا تنتهي عند هذا الأفق. دوماً حاصدة للجوائز والتقديرات.
ظهرت إليسا في زمن الطّفرة الفنّية فكانت أعداد الفنانين تتكاثر كالفطر الأسود منهم من جرّ الفن الى مستنقعات أسنة، ومنهم من لمع وسرعان ما خفت بريقه، ومنهم من جرّ قدميه بثقل فإمّا هوى أو ترنّح ثم غاب. وبقيت هي مع القلة ثابتة متجذّرة تعلو وتصل القمة تلو الأخرى وتفتح لنفسها ساحةً من علوٍ لا أحد يجرؤ على الاقتراب منها ولا هي تحصد في سهول غيرها.
أخذت إليسا منحىً في الفن بات يعرف بها ويعرفه الملايين الذين يتذوّقون فنّها، وينتظرون جديدها. قد لا تكون حنجرتها الأقوى ولكنها من الأنقى دوّرت نغمتها على شجن اتّسمت به. فهي إن فرحت تفرح على عمق، وإن حزنت تحزن على أمل، وإن باحت كان بوحها مسكوناً بالرهافة والتعلّم. تعرف كيف تختار وكيف تنسج صوتها فوق الكلمات ومع الموسيقى. فعمّرت مملكةً من نغم باتت تعرف بمملكة الاحساس، في زمن قلّ فيه الحس وباتت الأغنية ملاذاً، والصّوت شاهداً والنّغم هروباً وسيّدة الصّوت تبوح بمكنونات الصّدور، وتتصدّر الجميع.
إليسا أو إليسار التي لم تعرف الهزيمة يوماً، فهي دوماً في حالة يقظة وتأهّب حتى عندما تسقط تنهض، تشدّ وقوعها على عزمٍ أكبر، في عزّ وهنها تعمّر عزيمة وفي عزّ ضعفها تبني أملاً وفي عز ظلمتها تشق فجراً. هذا هو حال فنانة “إلى كل اللي بيحبوني” التي حصدت أكثر الألبومات مبيعاً حول العالم. وشكّلت رسالة أمل لكلّ مريض ولكل سيدة تعاني.
فهي التي راحت في فنّها بعيداً تشق أبواب التوعية في تحدّي المرض فصوّرت بمقاطع حيّة رحلتها في مصارعة مرض سرطان الثدي تعطي القوّة وتكون قدوة فهي بمكانتها قادرة أن تصنع تغييراً وأن تكون أرادة لمن يفقد الإرادة.
ناهضت إليسا العنف ضد المرأة فصوّرت وغنّت وحكت وكانت أغانيها رسالة دامغة ففي عام 2009 أطلقت أغنيتها “من غير مناسبة”، في دعوة إلى الانتفاض على العنف والتقليل من شأن المرأة، وفي عام 2012 طرحت أغنية “أنا نفسى”، وروت حكاية الوجع التي تتعرض لها المرأة من تحكّم الرجل وفرض سيطرته عليها، وعدم شعورها بالأمان. ثم جاءت بأغنية “يا مرايتي”، التي كان أثرها موجعاً وجريئاً من خلال الكليب الذي رافقها وهي تظهر اثار العنف على جسدها.
اليسا لم تبتعد عن ناسها وأحوالهم ووجعهم وكانت دوماً صوتهم وصداهم وصورة عنهم سواء في أغانيها أو في كلامها. فهي الجريئة كيفما حلَت تحكي دون ورعٍ ودون قفازات ترفع الصّوت لمناصرة قضايا الظّلم وترفع راية وطنها الموجوع في كل سانحة دون حسابات ودون تخفٍ. ترفع صوتها من أعلى منابر الميديا ليسمعها القاصي والدّاني.
هذه الشخصيّة التي تمتهن الفن هي ورعة حيث يجب الورع وهي ثائرة حيث يجب الثورة وهي رقيقة حيث تستوجب الرقة، وهي صدى العامة في كل حين. قالوا عنها كلاسيكية الهوى في خطّها الفني ورومانسية في نغمها وحساسة في أدائها وصدقوا في كل هذا التوصيف. لكن إليسا أظنها كانت نفسها في كل شيء. فيوم كان الطبل إيقاعاً يهز الخواصر كانت تترنّح على هدوء. ويوم صمت الجميع كانت ترفع طبولها لتقول أنا صاحبة رأي.
كمال طنوس